الأربعاء 22 رجب 1446هـ - 22 يناير، 2025

  • الرئيسية
  • /
  • العشائر العربية في سوريا بين الدور والاستقطاب
  • الملفات
  • الباحثون مركز ترندز للدراسات الاقتصادية
الكلمات الدليلية
    العشائر العربية، سوريا، الثورة، البعث،
ملفات التحميل

تسعى الدراسة لمعرفة واقع الدور السياسي للعشائر العربية في سوريا. ودراسة الجهود المحلية والإقليمية والدولية الساعية لاستقطاب هذه العشائر سياسياً. كما يقدم التقرير نظرةً تاريخيةً سريعةً على تطور مفهوم العشيرة. وعلى واقع العشائر السياسي في سوريا منذ العهد العثماني. مروراً بفترة الانتداب الفرنسي فالاستقلال. وفي ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي. كما يقدم تحليلاً معمقاً للدور السياسي للعشائر العربية في الأزمة السورية. ويحلل أسباب تشتت الدور السياسي لهذه العشائر وانقسامها بين أطراف النزاع داخلياً وخارجياً.

مقدمة

تعتبر سوريا من الدول ذات الصبغة العشائرية. وتشكل العشائر أحد أهم التشكيلات الاجتماعية التي ما زال يحتفظ بها المجتمع السوري وبقوة. فمن حوران إلى حمص والمنطقة الشرقية والشمالية تغلب التركيبة العشارية على النسيج الاجتماعي السوري. وحتى على مستوى المدن تعتبر العشائر حاضرة بقوة. فالتركيبة العشائرية وانطلاقاً من ثقلها الديمغرافي والجغرافي تشكل أحد اللاعبين السياسيين في المشهد السياسي السوري.

وبشكل عام بدأ الدور السياسي للعشائر العربية في سوريا بالظهور مع بداية القرن العشرين. وتحديداً مع بدء تشكل الوعي السياسي العربي. فبعد الحراك السياسي الذي شهدته سوريا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مروراً بالثورة العربية الكبرى ودور العشائر العربية بها. ولاحقاً مرحلة الانتداب الفرنسي وما شهدته من حراك سياسي وعسكري. فمرحلة الاستقلال ولاحقاً مرحلة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي وصولاً للثورة السورية وتحولها لأزمة سياسية وعسكرية. ففي كل هذه المراحل كان الدور السياسي للعشائر العربية حاضراً وإن كان متفاوتاً في الفاعلية. وذلك تبعاً لظروف ذاتية وأخرى موضوعية.

وانطلاقاً من أهمية العشائر العربية في سوريا ودورها السياسي في الأزمة السورية سعت العديد من الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية محلياً وإقليمياً وعالمياً لاستقطاب الدور العشائري. كونه يعتبر ورقةً رابحةً وداعمةً سياسياً وعسكرياً. ولذلك سيتم في سياق هذه الورقة دراسة الدور السياسي للعشائر العربية في سوريا. ودراسة حالات الاستقطاب السياسي والعسكري التي سعت إليه مختلف الأطراف المتحاربة في سوريا.

الدور السياسي للعشائر العربية في سوريا بين الماضي والحاضر

اختلف الدور السياسي للعشائر العربية بين الماضي والحاضر تبعاً للمناخ السياسي العام السائد في البلاد. ففي الفترات التي شهدت تراجعاً في النشاط السياسي العام انعكس هذا الأمر بشكل مباشر على الدور السياسي للعشائر. والعكس صحيح. ففي فترات ازدهار العمل السياسي ينشط دور العشائر. وبشكل عام يمكن القول بأن الدور السياسي للعشائر العربية في سوريا قبل الثورة السورية كان متواضعاً ومنخفض الفعالية. وهذا الأمر طبيعي ويعتبر امتداداً مفهوماً لتراجع النشاط السياسي في سوريا بشكل عام.

شكلت العشيرة في سوريا أحد أهم التشكيلات الاجتماعية في البلاد. وحتى على مستوى الأفراد الذين قد لا ينتمون بشكل مباشر للعشائر فهم يعتبرون ضمن المجتمع العشائري بشكل أو بآخر.

وعلى امتداد الجغرافيا السورية تتباين الولاءات العشائرية. كما يتباين عمق ارتباط الأفراد بالرابطة العشائرية. وذلك تبعاً لظروف موضوعية تتمثل بطبيعة النشاط الاقتصادي السائد وغيرها من العوامل.

الدور السياسي للعشائر العربية من العهد العثماني حتى حكم البعث

شهدت فترة الحكم العثماني عدة قلائل سياسية وأمنية في سوريا الطبيعية. وهذا ما دفع السلطات العثمانية للاستعانة بالمكون العشائري للحفاظ على حد أدنى من الأمن في المنطقة. كما منحت للعشائر ولا سيما في المناطق الشرقية من سوريا نظام حكم مرناً.

كما أن العشائر العربية لعبت دوراً مهماً في إنجاح الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية عام 1916م. ولاحقاً قامت هذه العشائر بدعم مشروع الملك فيصل في إقامة سوريا العربية. واستمر هذا النشاط السياسي للعشائر حتى بداية الانتداب الفرنسي على سوريا.

في ظل الانتداب الفرنسي على سوريا ظهرت متغيرات سياسية جديدة أثرت على البنية السياسية الحديثة العهد في البلاد. فالسياسة الفرنسية عمدت للتعامل مع الأقليات الدينية والعرقية والاجتماعية في محاولة منها لاستخدام هذه الأقليات كداعم في مواجهة عموم السوريين الرافضين للانتداب.

بعد استقلال سوريا عام 1946م. تقلص الدور السياسي للعشائر العربية. فانخفض تمثيلهم النيابي من 9 أعضاء إلى 6 أعضاء. وانكفأ دورهم ليقتصر على إدارة مناطقهم دون وجود تأثير حقيقي لهم في الحياة السياسية العامة في البلاد. واستمر هذا التراجع في ظل الوحدة بين سوريا ومصر. وترسخ من خلال قيام حكومة جمال عبدالناصر بإلغاء قانون العشائر.

الدور السياسي للعشائر العربية في سوريا في ظل حكم البعث

تعتبر فترة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي منذ عام 1963 حتى عام 2011م من أطول الفترات السياسية في سوريا. ومن أكثرها تأثيراً على الحياة العامة السياسية. وهو ما انعكس بشكل مباشر على دور العشائر.

العشائر العربية في الفترة ما بين 1963 – 1970

بعد تولي حزب البعث السلطة مباشرةً سعى لنقل مراكز القوة السياسية من المدن إلى الأرياف كون الحواضن الرئيسة له كانت في الريف. ورغبةً منه في إرساء نظام زراعي جديد. كما سعت حكومة البعث لتفتيت النظام الإقطاعي في عموم سوريا. وهذا ما أثر بشكل مباشر على العشائر العربية وعلى البدو.

العشائر العربية في ظل حكم الأسد الأب 1970 – 2000م

سعى حافظ الأسد لتوسيع رقعة الموالين لحكمه. لذا سعى لتقريب وجهاء العشائر ومنحهم امتيازات سياسية واجتماعية ومالية. وسعى لتوطيد مكانة زعماء العشائر.

العشائر العربية في ظل حكم الأسد الابن 2000 – 2011م

استمر بشار الأسد في سياسة والده مع العشائر العربية. ولاحقاً سعى لتمكين بعض وجهاء العشائر ومنحهم امتيازات استثنائية. وذلك لإدراكه بأن العشائر تعتبر ضامناً حقيقياً لنظامه كما تعتبر تهديداً حقيقياً له في حال عدم كسب ولاء زعماء العشائر.

المبحث الثاني

الدور السياسي للعشائر العربية في الثورة السورية

خلال أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية لا يمكن ملاحظة وجود ثابت للعشائر العربية في مختلف مراحل الثورة. فلا يمكن إيجاد دور جامع للعشائر. فموقف العشائر تم تقسيمه بين مؤيد للثورة وبين مؤيد لنظام الأسد. ولاحقاً وبعد تحول الثورة لأزمة سياسية وعسكرية إقليمية ودولية تشتت الدور العشائري بين أطراف النزاع المحليين والخارجيين. كما سعت كل هذه الأطراف بدون استثناء لاستقطاب تأييد العشائر وذلك لأهمية دورها ولاعتبارها ورقة مرجحة لأي طرف. ولكن من الملاحظ غياب دور جامع للعشائر العربية. فدورها اقتصر على تأييد هذا الطرف أو ذاك. وهذا ما أدى لتراجع فاعلية دور العشائر وهو ما انعكس سلباً على أبناء العشائر ذاتهم.

السباق الإقليمي والدولي على ولاء العشائر في سوريا

في إطار التنافس والتنازع الدولي على سوريا برزت عدة أطراف محلية متصارعة مدعومة خارجياً. وهي النظام السوري المدعوم من قبل روسيا وإيران. وقسد المدعومة أمريكياً. والجيش الوطني السوري وهيئة أحرار الشام المدعومة تركياً. فالتنافس الدولي بين القوى الإقليمية والدولية يتم من خلال القوى على الأرض. وفي ظل توزع القوى هذه يبدو جلياً غياب أي وجود حقيقي ومستقل للعشائر العربية.

بعد هدوء الجبهات النسبي في سوريا وتصاعد المطالب المنادية بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وتراجع المطالب الدولية بإسقاط النظام السوري. بدأت أهمية العشائر بالازدياد لدى مختلف أطراف النزاع وداعميهم. وذلك لعدة أسباب. منها ضمان الاستقرار الداخلي في مناطق النفوذ. فكسب ولاء العشائر في أي منطقة من شأنه تدعيم الاستقرار الأمني. كما أن كسب ولاء العشائر من شأنه إعطاء رسالة سياسية حول حجم الدعم والتأييد الداخلي.

الدعم الأمريكي لـ”قسد” والجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لاستمالة العشائر العربية تعتبر منخفضة الفاعلية. وذلك كون السياسة الأمريكية مع العشائر تستند إلى الخبرة الأمريكية في التعامل مع عشائر العراق لا سيما تجربة الصحوات.

أسباب تراجع الدور السياسي للعشائر في سوريا

الإرث التاريخي:

نظر البعض للعشائرية والقبلية على أنها عائق أمام التطور. وهو ما أثر سلباً على واقع العشائر.

المد القومي:

كان يُنظر لأي انتماء لا يأخذ البعد القومي بعين الاعتبار على أنه أفكار رجعية. فالولاء للقُطر في بعض الحالات كان يعتبر فكراً رجعياً. فالانتماء لا بد أن يكون للعروبة وفقط للعروبة. ولذلك تم النظر للولاء العشائري على أنه نزعة رجعية لا بد من الحد منها.

مركزية الحكم:

ساد سوريا بعد حكم البعث عام 1963 جمود سياسي حاد. وتم سحب جميع الصلاحيات من زعماء العشائر. بحيث باتت زعامة العشيرة قضية رمزية لا أهمية حقيقية لها. وهو ما أدى لتآكل المنظومة الاجتماعية للعشائر ولظهور زعامات متعددة لذات العشيرة.

دور العشائر العربية في حل الأزمة السورية

بعد أكثر من عشر سنوات على بدء الثورة السورية وتحولها لاحقاً لأزمة سياسية وعسكرية لم يرق الدور الذي لعبته وتلعبه العشائر العربية لدور المحرك للأحداث والفاعل في إيجاد حل للأزمة السورية.

إن الدور الفاعل للعشائر العربية من شأنه الانتقال من دور التابع والمنضوي تحت عباءة طرف أو آخر إلى الدور المتناسب مع قناعات ومصالح هذه العشائر ومصلحة الدولة السورية. وهذا الأمر يمكن أن يتم من خلال توحيد جهود العشائر العربية. وتشكيل مجلس وطني عشائري ناطق باسم العشائر العربية. ويكون له تمثيل في أي جهود سياسية محلية أو إقليمية أو دولية.

وهنا لا بد من التأكيد على أنه لا بد للعشائر العربية من الخروج من عقلية الامتيازات الممنوحة لزعماء العشائر إلى مرحلة المطالبة بالحقوق. كما لا بد من تمثيل العشائر في العمل السياسي بما يتناسب مع ثقلهم الديمغرافي والجغرافي.