الأربعاء 22 رجب 1446هـ - 22 يناير، 2025

  • الرئيسية
  • /
  • /
  • أسباب تباطؤ تأثير العقوبات الاقتصادية ضد موسكو

أسباب تباطؤ تأثير العقوبات الاقتصادية ضد موسكو

img

السبت, 28 مايو, 2022

العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا هي الأداة الغربية الأهم المستخدَمة للضغط على موسكو لإيقاف حربها على أوكرانيا. إلا أنه من الملاحظ أن تأثير هذه العقوبات لم يؤد حتى الآن لإيقافها. فما السبب الحقيقي لتباطؤ تأثير العقوبات؟ وهل من المتوقع أن يتصاعد تأثيرها مستقبلاً؟ وهل سيتمكن الاقتصاد الروسي من الصمود حتى وقت طويل؟

في البداية لقد سببت العقوبات الغربية آثاراً اقتصادية واضحة. تتباين شدتها بين قطاع وآخر. فمن آثارها: إعاقة استخدام موسكو لأرصدتها السيادية الخارجية. فقد تم تجميد أكثر من 300 مليار دولار. وهو ما تسبب بصعوبة تمويل بعض المستوردات خاصة من أوروبا. كما تعاني موسكو من تمويل وارداتها من الخارج بسبب حظر بعض بنوكها عن نظام سويفت. فالواردات تراجعت بنسبة 45%. مما أدى لشُح المواد في السوق الروسية. وهذا الشح من المتوقع أن يتصاعد لا سيما بعد خطة حظر بنوك إضافية. كما تزايدت نسبة البطالة في روسيا عقب هجرة العديد من الشركات الأجنبية. إضافةً لإغلاق عدد من المصانع الروسية أو تخفيض إنتاجها. كمصانع السيارات. والتي تراجعت مبيعاتها بنسبة 80%. وتم تسريح ما يزيد عن 5,000 عامل منها. بالإضافة إلى تآكل المدخرات نتيجة ارتفاع التضخم الذي بلغ 17%. وهي أعلى نسبة منذ عام 2002م.

من جهة أخرى شهدت الأسعار في روسيا ارتفاعاً واضحاً. بسبب العقوبات الغربية. فالمواد الغذائية ارتفعت بنسبة 20%. والحبوب 35%. والأجهزة الالكترونية 22% ومواد البناء 27%. ومن المتوقع زيادات إضافية في الأسعار عقب تخفيض المركزي الروسي لأسعار الفائدة من 20% إلى 14%. وذلك في ظل شح المواد نتيجة صعوبة الاستيراد. إضافة إلى عدم قدرة موسكو على شراء بعض العناصر المهمة لتصنيع السلاح مثل الرقائق. كما ستؤدي العقوبات لتقويض قطاعي التكنولوجيا والدفاع بشكل مباشر. مما يجعل من الصعب الاستمرار في تطوير الأسلحة. مع صعوبة تأمين قِطَع غيار للطائرات المدنية. مما يعني تآكل أسطول النقل الجوي الروسي.

 

سر تباطؤ أثر العقوبات

على الرغم من الآثار الحالية للعقوبات الغربية على موسكو. إلا أنها تبقى محدودةً مقارنةً مع الزخم الإعلامي التي حظيت به. إضافةً لعدم انعكاسها على الحرب. فلم تؤد حتى الآن لتراجع موسكو عن حربها. فما الأسباب الحقيقية لتباطؤ أثر العقوبات؟

أولا: تم تصميم العقوبات. وعن عمد. لتعظيم التأثير طويل المدى على روسيا. وتقليل التأثير على الولايات المتحدة وحلفائها. ولذا فقد يستغرق الأمر بعض الوقت. قد يصل لسنوات. لإحداث ضرر في الاقتصاد الروسي. فمن المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى عودة الاقتصاد الروسي 30 عاماً إلى الوراء. وهذا لا يمكن لمسه إلا في المدى المتوسط.

ثانيًا: استجاب المركزي الروسي للعقوبات بشكل جيد. فرفع أسعار الفائدة إلى 20%. مع فرض قيود صارمة على رأس المال. تمثلت في إجبار الشركات المصدرة للخارج على تحويل 80% من إيراداتها من النقد الأجنبي إلى الروبل. وتحديد الروبل أو الذهب للحصول على إمدادات الطاقة. كل هذا ساهم في دعم الاقتصاد الروسي. ولو بشكل مؤقت.

ثالثًا: قدرة روسيا الكاملة على بيع النفط والغاز في الخارج. بما في ذلك أوروبا. التي تحصل على أكثر من ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا. وهذه الأموال التي تصل لمئات الملايين يومياً من الاتحاد الأوروبي وحده. ساعدت موسكو في خلق حاجز ضد الفوضى الاقتصادية بعد صدمة العقوبات الأولية.

رابعًا: الركود الذي ستواجهه روسيا نتيجة العقوبات. ركود عميق. ذو طبيعة هيكلية تحولية تحتاج لفترات طويلة. إضافة إلى اتباع روسيا استراتيجية عدم نشر الكثير من البيانات الاقتصادية. وهو أسلوب استخدمته موسكو من قبل لإخفاء آثار العقوبات.

خامساً: خبرة موسكو الكبيرة في التعامل مع العقوبات. فهذه ليست المرة الأولى التي تُفرَض عقوبات عليها. واعتماداً على هذه النقاط لن يكون للعقوبات تأثير  سريع وفوري على الاقتصاد الروسي. لكنها آثار تتطلب مزيداً من الوقت.

هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن العقوبات الغربية ستترك أثرها على الاقتصاد الروسي في المدى المتوسط والطويل. حيث توقعت المالية الروسية أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 8.8% في عام 2022. ووصول التضخم إلى 23% هذا العام.

 

تجارب دولية في التأثير البطيء للعقوبات

توجد نماذج دولية عديدة توضح التأثير البطيء للعقوبات. فعندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الاتحاد السوفيتي بعد غزو أفغانستان. استغرق الأمر سنوات لرؤية النتائج. كما أن عقوبات 2014م التي فُرِضَت بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كانت فعالة. فالعقوبات بجانب أسعار النفط المنخفضة أدت لخسارة موسكو 200 مليار دولار موزعة على عدة سنوات.

كما احتاجت العقوبات الغربية على إيران إلى عدة سنوات لتظهر نتائجها المطلوبة. والمتمثلة بدفعها إلى طاولة المفاوضات عام 2015م. فهذه التجارب تدعم الرأي القائل بأن تباطؤ أثر العقوبات على موسكو لا يعني أنها غير فعالة. بل فاعليتها تحتاج لفترة متوسطة أو طويلة لتظهر نتائجها الحقيقية.

في النهاية كلما طالت مدة سريان العقوبات كان الأمر أسوأ. حيث تنتقل روسيا إلى اقتصاد موجه بالكامل من قِبَل الحكومة. كحالة إيران أو كوريا الشمالية. وهي اقتصادات تعاني نوعًا من التباطؤ والتعثر. وقد تتآكل مستويات المعيشة إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود.




المنشورات ذات الصلة