الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

كيف يؤثر تعدُّد المرجعيَّات على الواقع الاقتصادي في الشمال السوري؟

img

الإثنين, 28 فبراير, 2022

2

بصفة عامة غيَّرت الحرب في سوريا الواقع السياسي على طول امتداد البلاد. وأدت لخلق واقع اقتصادي مغاير يعمل بشكل موازٍ مع حالة الانقسام السياسي التي شهدتها سوريا بفعل التدخلات الإقليمية والدولية. التي أثرت في تعدد المرجعيات السياسية خاصة في الشمال السوري. ما أدى لخلق منظومات اقتصادية متعددة تفاعلت فيما بينها وأثرت بشكل مباشر في حياة السكان المقيمين في تلك المناطق. والسؤال الآن: كيف يؤثر تعدد المرجعيات على الواقع الاقتصادي في الشمال السوري؟ وما أثر الانقسام السياسي في الشمال السوري على الاقتصاد وحياة السكان؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟

ما عواقب الانقسام السياسي في الشمال السُّوري؟

حققت قوات المعارضة السورية انتصارات عسكرية في الشمال السوري في السنوات الأولى من عمر الثورة. ثم بدأت تتشكل نواة لمنظومات اقتصادية مصغرة عززها تبعية مناطق الشمال خاصة منذ عام 2015 وما بعدها لسياسات الدول الفاعلة. مثل روسيا التي تدخلت لدعم النظام السوري. وتركيا التي أطلقت العديد من العمليات شمالي سوريا لدعم قوات المعارضة. والولايات المتحدة التي تدعم سياسياً واقتصادياً ما يعرف باسم قوات “قسد” شرقي منطقة الفرات.

من جهة أخرى شكلت سيطرة القوات المحلية على مناطق معينة في الشمال السوري بحسب موقعها الجغرافي تحدياً سياسياً واقتصادياً لها. وذلك لأن كل جهة تسيطر على مناطق تحتوي على موارد حيوية مختلفة. ففي حين تحتوي مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا على 90% من الثروة النفطية. بالإضافة إلى 45% من إنتاج الغاز. يسيطر نظام الأسد على نحو 20% فقط من حقول النفط في سوريا.

إلا أن الأمر يكاد يكون مختلفاً بالنسبة لمناطق المعارضة السورية في الشمال. حيث لا تسيطر على أي أراض نفطية. وهو ما يدفعها للتفاوض إلى جانب النظام مع “قسد” للحصول على المشتقات النفطية عبر المعابر. لكنها تمتاز عن النظام الذي يعاني من العقوبات الدولية أن مناطقها لا تعاني أزمة خانقة في الحصول على النفط بفضل الدعم المقدم من قبل تركيا.

ما عواقب الانقسام السياسي على السوريين؟

من ناحية أخرى فقد أفرز الانقسام السياسي أيضاً ثلاث عملات للتداول شمالي سوريا. ففي حين أصبح التعامل في كل شيء بالدولار الأمريكي والليرة التركية في مناطق سيطرة المعارضة. يتم التعامل بالدولار والليرة السورية في مناطق سيطرة “قسد”. أما النظام السوري فكان قد حظر التعامل بالعملتين التركية والدولار في مناطق سيطرته لصالح الليرة السورية. التي شهدت انهيارات متتالية في أسعار صرفها إذ وصلت لنحو 5000 ليرة مقابل الدولار في وقت سابق من العام الحالي.

كما يظهر جلياً أثر تعدد المرجعيات السياسية على الواقع الاقتصادي في الشمال السوري. من خلال وجود حكومتين. الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ. وهذا التعدد الحكومي أرخى بظلاله على الواقع الاقتصادي من خلال صعوبة التبادل التجاري بين مناطق سيطرتي الحكومتين. بسبب وجود الحواجز وفرض رسوم وإتاوات على البضائع. الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع الاقتصادي العام وعلى الواقع الاقتصادي للأفراد في المنطقة.

ويظهر أثر تعددية المرجعية السياسية أيضاً من خلال وجود فصائل مسلحة تتبع تنظيمياً وعسكرياً لجهات سياسية بعينها. وبات لكل منطقة خاضعة لفصيل ما نظامها الاقتصادي المغلق. الأمر الذي حول مناطق الشمال السوري إلى كانتونات وجزر اقتصادية معزولة بشكل نسبي. مما أثر سلباً على القدرة على بناء نظام اقتصادي واحد وشامل في الشمال السوري. وهذا ما أثر بدوره على برامج التمكين الاقتصادي وعلى مختلف المؤشرات الاقتصادية في المنطقة.

ما انعكاسات تعدُّد المرجعيَّات على حياة السكان؟

في الحقيقة عانى السوريون في مناطق الشمال كثيراً خلال السنوات الأخيرة بفعل الحرب والنزوح. كما تأثرت مستوى المعيشة بفعل الانقسامات السياسية. التي بدا أثرها واضحا في عجز الكثير من الأسر عن تأمين احتياجاتها الأساسية اليومية. فضلاً عن تدني المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مثل الدخل نسبة التعلم والمستوى الصحي ومعدل الفقر.

كذلك ازدادت معدلات الفقر من 76% إلى 87% عام 2019م. في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري شمال غربي سوريا. على الرغم مما تملكه المنطقة من موارد تسمح لها بالوصول إلى “الاكتفاء الذاتي”. ويعزى ذلك لغياب العمل المؤسساتي في الزراعة والصناعة والتجارة.

وفي الوقت نفسه شكل فتح المعابر شريان حياة لمناطق سيطرة النظام في الجنوب. وهو ما خلق فرص عمل لشريحة لا بأس بها من سكان تلك المنطقة. عبر توجيه قسم من إيرادات المعابر إلى الخدمات الطبية والتعليمية وترميم البنى التحتية. علاوة على دفع جزء مهم من رواتب عناصر الجيش الوطني السوري الذي يعيلون أُسرهم هناك.

مع ذلك تشير التقديرات إلى أن 80% من الأسر اعتمدت على الاستدانة لتأمين احتياجاتها. و56% على إرسال أطفالها للعمل. و22% على تقليل حجم وجباتها. و11% على تقليل عدد الوجبات. و10% على بيع ممتلكاتها. إلى جانب ذلك قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 13.4 مليون نسمة في سوريا بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.

من ناحية أخرى فإن أوضاع المدنيين على الضفة الأخرى شرقي الفرات. ليست بأفضل حال مما هي عليه في مناطق المعارضة والنظام. إذ قدرت الأمم المتحدة أن 1.8 مليون شخص يحتاجون لمساعدات عاجلة في شمال شرقي سوريا. موضحة على لسان رئيس قسم الشؤون الإنسانية في المنظمة ماروك لوكوك أن الرعاية الصحية والإمدادت الطبية المنقذة للحياة منخفضة بشكل خطير.

كيف يمكن إنهاء معاناة السوريين في الداخل السوري؟

بناء على ذلك لا يمكن إغفال واقع الإنقسام السياسي وآثاره الاقتصادية على حياة السوريين. دون النظر في إيجاد حل دائم للأزمة السورية من شأنه أن ينهي معاناة المدنيين لا سيما في الشمال. ويحيي الأمل لديهم في العودة إلى مناطقهم سواء من داخل سوريا أو من خارجها. من أجل أن يتم الشروع بعملية إعادة الإعمار تمهيداً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

لذلك سيبقى المشهد السياسي في شمالي سوريا كما هو عليه الآن بانتظار الترتيبات الجديدة والتشكلات الناجمة عن مخاض المنطقة. وبدون أدنى شك ستنعكس تبدلات في موازين القوى الداخلية والخارجية وحجمها في التأثير على الساحة السورية. إلا أن الوضع الاقتصادي سيبقى معرضاً لخطر الانهيار ما لم يحدث تغيير جذري وتسويات جديدة في المنطقة.




المنشورات ذات الصلة