الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

ما الواقع الاقتصادي للسوريين تحت حكم النظام؟

img

السبت, 11 سبتمبر, 2021

على وجه التحديد مر الاقتصاد السوري منذ الاستقلال وحتى يومنا الراهن بأربع مراحل أساسية. بدأت مرحلتها الأولى بالإصلاحات والتطور والنمو الاقتصادي. وتميزت مراحلها الثلاث الأخيرة بسيطرة النظام على كافة القطاعات الاقتصادية عبر خطط ممنهجة لكل مرحلة. كان هدفها السيطرة على ثروات البلاد وإفقار الشعب ووضعه تحت سيطرة أمنية وحاجة دائمة. والسؤال هنا: ما الواقع الاقتصادي للسوريين تحت حكم النظام؟

ما سمات المرحلة الاقتصادية الأولى؟

تميزت الفترة ما بين 1947- 1963م وهي مرحلة ما بعد الاستقلال بالعديد من المبادرات والخطط الاستراتيجية. كان منها -على سبيل المثال لا الحصر- قرارات فك ارتباط الاقتصاد السوري عن الاقتصاد اللبناني. مما عاد بكثير من الحيوية والديناميكية على الاقتصاد السوري. بالإضافة إلى إنشاء مرفأ اللاذقية وإنشاء مديرية الجمارك وجعل إصدار النقد بيد الحكومة السورية.

وفي هذه المرحلة بدأ الاقتصاد السوري سُلّم الصعود بالنمو والتنوع والتصنيع وبناء الدولة الحديثة. لدرجة أنه في تلك الفترة كانت التجربة السورية قدوة لعدد من الدول التي أصبحت اليوم مثالاً يُحتذى به في العالم مثل ماليزيا. في حين كانت قيمة الليرة السورية تساوي 4 دولارات ومستوى الفقر والبطالة منخفضة.

كيف وصلت سوريا إلى المرحلة الكارثية؟

تعد الفترة ما بين عام 1963 حتى 1991م هي المرحلة الكارثية في الاقتصاد السوري. حيث بدأ التحول السلبي والسيطرة على جوانب الاقتصاد السوري من خلال البدء بعملية التأميم الاقتصادي وتبني نهج الاشتراكية التي دمرت 15 عاماً من محاولات النمو الاقتصادي والتطور. تمثلت أولاً بالسيطرة على القطاع الخاص وتحجيمه. ومن ثم الاستيلاء التام على كل المقدرات الاقتصادية الخاصة والعامة.

وفي هذا المجال بدأت المؤشرات الاقتصادية بالتراجع. حيث انخفضت قيمة الليرة السورية بمقدار 200 مرة خلال هذه الفترة ليصبح كل 1 دولار يساوي 50 ل.س. وبدأ مستوى المعيشة بالتدني. وانخفض مستوى الدخل لأقل من 40دولاراً للعائلة. بالإضافة إلى عقوبات أمريكية عاشها المواطن مما أدى إلى فقدان المواد الأساسية خلال فترة الثمانينات. زيادة على بدأ انتشار الفساد بشكل ممنهج ونموّه في القطاع العام ونهب الثروات وخاصةً عائدات النفط.

ما سمات مرحلة التحول الاقتصادي؟

في الحقيقة تميزت الفترة ما بين منذ عام 1991-2011م بالتحول الاقتصادي. خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإصدار قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991م. حيث قسمت هذه المرحلة إلى قسمين: الفترة الأولى بين عامي 1991-2020م. وتميزت ببدء تصفية القطاع العام (مثل شركة الكرنك للنقل) وبدء ظهور شركات خاصة. وهنا بدأ التأسيس لسيطرة الاحتكار المطلق الخاص من خلال سيطرة رجال أعمال محسوبين على النظام على بعض القطاعات الاقتصادية. بالإضافة إلى زيادة انتشار الفساد والمحسوبية.

من جهة أخرى تميزت الفترة الثانية بهيكلة الاقتصاد السوري لصالح بعض رجال الأعمال المحسوبين على النظام. من خلال عقود السيطرة على قطاع الاتصالات واستيراد السيارات والنفط والغاز والبناء والسياحة. إلا أن هذه الفترة تميزت بانتعاش اقتصادي وارتفاع مستوى دخل الفرد لحدو 300 دولار. وانخفضت البطالة لأقل من 10%. بالإضافة إلى ارتفاع إيرادات الدولة من النقد الأجنبي. لكن كافة هذه التحسينات كانت في النهاية تصبّ بمصلحة النظام كونه يسيطر على كافة القطاعات الاقتصادية المهمة. بسبب أنه المنتج والمستورد والمصنّع عن طريق رجال أعماله.

كيف بدأ تدمير الاقتصاد السوري؟

بصفة عامة تُعتبر هذه الفترة ما بين منذ عام 2011-2021م هي الأصعب على السوريين. بسبب حرب النظام الممتدة لعشر سنوات. ولهذا السبب شهدت هذه الفترة تدمير الاقتصاد السوري وتراجع كافة مؤشراته وخسارته لعدة عقود من التنمية. حيث تُقدر الخسائر الاقتصادية بأكثر من 530 مليار دولار. وحدها خسائر قطاع النفط تجاوزت 90 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه تراجعت كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية في البلاد. فارتفع مستوى الفقر بين السوريين ليتجاوز 90% والبطالة لتزيد عن 50%. وترافق ذلك من فقدان مليون فرصة عمل حسب منظمة العمل. بالإضافة إلى انهيار قيمة الليرة السورية لأكثر من 80% في بعض الفترات. علاوة على انخفاض مستوى دخل الفرد لأقل من 30 دولاراً وزيادة معدلات الفساد. ولهذا السبب وُصِفت سوريا بأكثر دول الفساد في العالم. وصُنّفت في الترتيب 178 من أصل 180 دولة.

بناء على ذلك انخفضت الصادرات السورية وزاد عجز الموازنة ليصل إلى نسبة 40% في عام 2021. وزاد الدَّين الخارجي لسوريا ليصل إلى 60 مليار دولار. وقُدر الدّين الداخلي بـ4 تريليونات دولار. بالإضافة إلى تدمير أكثر من 45% من البنية التحتية في سوريا وخسائر رأس المال البشري وتراجع التعليم والصحة.

في الواقع اعتمد النظام السوري على اقتصاد الحرب مع انطلاقة الحراك الشعبي. وبدا ذلك واضحاً بعد عام 2013م. حيث تم تسخير كافة موارد البلاد للعملية العسكرية من جهة. إضافة إلى تنازله عن ثروات البلاد لروسيا وإيران بعقود مجحفة لفترات زمنية طويلة. علاوة على ظهور أمراء الحرب وانتشار التهريب. هذه الإجراءات سوف تؤثر على مستقبل الثروات في سوريا وتمنع الشعب السوري من الاستفادة من خيراتها.

في النهاية بعد مرور 58 عاماً من سيطرة النظام شهدت البلاد تراجعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وكان من أهمها الجانب الاقتصادي الذي أثّر على حياة السوريين ومنعهم من التنعّم بثروات بلادهم لعقود طويلة. مما جعلهم من أفقر الشعوب والأكثر تشرداً على مر التاريخ الحديث.




المنشورات ذات الصلة