الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

ما العلاقة بين الأزمة الاقتصادية للنظام السوري وأزمة لبنان؟

img

السبت, 11 سبتمبر, 2021

2

بصفة عامة يرتبط اقتصاد سوريا ولبنان بتأثير متبادل في السنوات الأخيرة. لا سيما بعد دخول القوات السورية للبنان. حيث تبقى سوريا البوابة الاقتصادية الوحيدة البرية للبنان من جهة. وفي الوقت نفسه يشكل القطاع المصرفي اللبناني ملجأ للسوريين للإيداع والتحويل والتهرب من العقوبات. ومن هنا يتبين لنا تأثر كلا البلدين بأي أزمة اقتصادية تعصف بالآخر. والسؤال هنا: ما العلاقة بين الأزمة الاقتصادية للنظام السوري وأزمة لبنان؟

ما مفهوم وأسباب الأزمة اللبنانية؟

في الحقيقة يعود السبب الرئيسي للأزمة اللبنانية إلى الفساد الكبير في البلاد من المنظومة الحاكمة. بالإضافة إلى اقتراض الحكومة اللبنانية من البنوك والامتناع عن السداد. وقد قدرت المبالغ بأكثر من 80 مليار دولار. زيادة على تثبيت سعر الفائدة في المصارف اللبنانية البالغة 5% للودائع الأجنبية و8.5% للبنانية على مدار عقود. وتوقف الدعم الخليجي لتزايد دور إيران في لبنان وانخفاض قيمة التحويلات الخارجية. علاوة على انفجار مرفأ بيروت الذي يعد عصب اقتصادي رئيسي في لبنان.

في الوقت الحالي تبدو الأوضاع الاقتصادية في لبنان ماضية نحو المزيد من التعقيد. حيث انهارت العملة اللبنانية بسرعة كبيرة خلال العامين السابقين لتصل إلى 14000 ليرة لبنانية لكل دولار. ويترافق ذلك مع توجّه الحكومة اللبنانية لرفع الدعم الحكومي بشكل متدرج. بالإضافة إلى توقف البنوك عن تزويد عملائها بأموالهم وتضرر الكثير من الشركات اللبنانية بعقوبات قيصر.

ما العلاقة بين الاقتصاد السوري واللبناني؟

قام النظام السوري منذ دخوله لبنان بتشكيل اقتصاد رديف للاقتصاد السوري. يهدف لتهريب الأموال والتهرب من العقوبات الاقتصادية. وذلك من خلال تقاسم الفوائد والشراكة بين المسؤولين من كلا البلدين في قطاعات مختلفة أهمها القطاع المصرفي.

يعتبر لبنان خلال العقود الثلاثة الأخيرة سوق عمل مهم للسوريين في قطاعات مختلفة. أهمها الزراعة والسياحة والبناء والمهن الحرة. وقُدر عدد العمالة السورية قبل الحرب في لبنان بأكثر من 220 ألف عامل. في حين تعد سوريا سوقاً مهماً لتصريف المنتجات الزراعية اللبنانية من جهة ومزوداً رئيسياً للكهرباء. إضافةً إلى رؤوس أموال أساسية مودعة بالمصارف اللبنانية تصل لحدود 30%.

بالإضافة إلى ذلك يُعد اقتصاد التهريب المتبادل بين البلدين أهم اقتصاد غير رسمي يموّله كبار المسؤولين في البلدين. حيث قدرت المعابر غير الرسمية بين البلدين بـ 114 معبراً في عام 2021م. ساهمت هذه المعابر بتهريب الكثير من المواد المدعومة من سوريا للبنان. إضافة إلى استيراد كثير من المواد عن طريق لبنان. وهذه كانت إحدى لعب التحايل على العقوبات الاقتصادية عبر الزمن. ولا توجد إحصائيات دقيقة ولكن تقدر هذه التجارة بمليارات الدولارات عبر السنوات السابقة.

ما آثار الأزمة اللبنانية على الاقتصاد السوري؟

في الواقع تأثر الاقتصاد السوري بشكل كبير في الأشهر الأخيرة بسبب الأزمة اللبنانية. فقد أثرت القيود المفروضة من قبل القطاع المصرفي اللبناني على أموال المودعين. إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجه لبنان وقانون قيصر من قواعد اللعبة الاقتصادية التي كان يقوم بها كلا الطرفين. ومما زاد هذا الوضع سوءاً انتشار فيروس كورونا.

من ناحية أخرى بسبب قيام المصارف اللبنانية بتقييد بيع الدولار. بالإضافة إلى منع المودعين السوريين من سحب مدخراتهم التي تجاوزت الـ45 مليار دولار. نتيجة لذلك قفز سعر الدولار في كلا البلدين بشكل مترابط. حيث ترافق انهيار الليرة اللبنانية مع فقدان الليرة السورية لقيمتها مما أدى لارتفاع جنوني بالأسعار خلال عدة أيام تجاوز 100%. وعلى سبيل المثال عندما وصل سعر الدولار في لبنان 15000 وصل سعر صرف الليرة في سورية حدود 5000 لكل دولار.

كما أثرت المشكلة المصرفية على توريد المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية التي كانت تموّل عن طريق أموال رجال الأعمال السوريين في لبنان. حيث فشلت ثلاث مناقصات لاستيراد 600 ألف طن من القمح في عام 2020م. بالإضافة إلى مناقصات الذرة وغيرها. وهذا ما أثّر على مدخلات الإنتاج في سوريا وأدى لارتفاع أسعار المواد بشكل كبير. مثل ارتفاع سعر الفروج الناتج عن ارتفاع العلف قبل انهيار قيمة العملة الأخير.

ونتيجة لفقدان مصداقية المصارف اللبنانية والأثر النفسي السلبي للعملاء. أدى ذلك لانخفاض حاد في تحويلات السوريين بالدولار إلى الاقتصاد السوري. وإن الأهمية النسبية لهذه التحويلات قد زادت أثناء النزاع. ليس فقط بسبب تدفقات اللاجئين وإنما أيضاً بسبب انكماش حجم الاقتصاد السوري ككل.

في النهاية إن عواقب الأزمة اللبنانية لم يتم الشعور بكامل آثارها بعد. وسوف تكون حادة وكبيرة إذا طالت فترتها. خصوصاً في ظل ضعف الاقتصاد السوري واعتماده السابق بشكل كبير على القطاع المصرفي اللبناني في التهرب من العقوبات.

ومن الواضح أن الاقتصاد السوري ليس أمامه بدائل فيما يتعلق بالحصول على الدولار وتوفير الواردات المطلوبة. ويبقى الحل الوحيد هو الوصول لاتفاق عادل وبناء أسس اقتصادية حقيقية سليمة. تقوم على القضاء على اقتصاديات الاحتكار والحرب والتهريب والظل والسوق السوداء وجعل سلطة القوانين هي العليا.




المنشورات ذات الصلة