الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

ما أثر الانخراط في الفصائل المسلحة على برامج التمكين في سوريا؟

img

الأربعاء, 2 مارس, 2022

1

شهدت الأزمة السورية منذ اشتعالها وحتى الآن اختلافات جوهرية على مناطق النفوذ وتبدلات عدة في خريطة السيطرة بين النظام والمعارضة. وترافق ذلك مع انتشار العشرات من الفصائل المسلحة في كلا الطرفين. وقد جذبت الفصائل المسلحة آلاف الشباب للعمل بها في ظل انهيار اقتصادي وبطالة مرتفعة. والسؤال المهم هنا: ما أثر الانخراط في الفصائل المسلحة على برامج التمكين في سوريا؟

لماذا انخرط العديد من الشباب في الفصائل المسلحة؟

مع بداية النزاع توجّه العديد من الشباب للتطوع في العديد من الفصائل المسلحة لمواجهة النظام. ومع استمرار أمد الأزمة أصبح التطوع عبارة عن عمل شبه منظم. كما أدى تدهور الوضع الاقتصادي والظروف الأمنية إلى زيادة عدد الفصائل المسلحة وداعميها. وترافق ذلك مع زيادة عدد الشباب العاملين فيها.
في الواقع بعد العام الأول من الأزمة بدأت تظهر الفصائل المسلحة في كافة مناطق الجغرافيا لسوريا سواء التابعة للنظام أو المعارضة. وبدأ عدد أعضاء هذه الفصائل سواء من الداخل أو الخارج في الازدياد. إلا أن جزءاً من أعضائها كان يهدف إلى العمل والحصول على الأجر والفائدة الاقتصادية. وقد أثَّرت هذه الظاهرة على الجانب الاقتصادي بشكل كبير. وامتد هذا التأثير لاحقاً على برامج التمكين الاقتصادي التي بدأت بالظهور في الداخل السوري.

ما الفرق بين الفصائل المسلحة والجيوش النظامية؟

بصفة عامة يُنظر لجيش دولة ما بأنه القوات المسلحة للدولة التي تتكون من القوات البرية والجوية والبحرية. وتختلف مهام الجيش بين الدول بحسب أولوياتها المختلفة. إلا أن مَهمة حماية الدولة والمدنيين من صلب مهام الجيش. في حين تختلف الفصائل المسلحة عن الجيوش بعدة نقاط من حيث التنظيم والعدد والتخصص والانتشار .. إلخ.
عادةً ما يُشار للفصائل المسلحة في النزاعات الداخلية بتلك الفصائل التي تشكّلت نتيجة لأزمة ما. قد تكون سياسية أو أمنية أو متعلقة بالحريات.. الخ. ومن الممكن أن تكون عناصرها محلية أو داخلية أو خارجية. تعمل على مواجهة النظام في البلد بالطرق العسكرية لتحقيق أهدافها.
من جهة أخرى قد يلجأ بعض الشباب للالتحاق بهذه المليشيات بحثاً عن فرص عمل. وهي فرص عمل ذات الطابع العسكري أو المدني التي توفرها مقابل عائد مادي أو مزايا مختلفة. بهدف تحقيق أهدافها التي أُسِّست من أجله.

ما أثر العمل في الفصائل المسلحة على برامج التمكين الاقتصادي؟

في الواقع برامج التمكين الاقتصادي هي مجموعة من البرامج الاقتصادية التي تسعى لتمكين المواطنين وتوفير فرص عمل لهم. بالإضافة إلى الحد من حاجتهم للمساعدة والاعتماد على ذاتهم. ويتم ذلك عن طريق التمويل والتدريب والاستشارات.
من جهة أخرى شكّلت هذه المليشيات في مختلف المناطق السورية عامل جذب للعديد من أصحاب المهن والخبرات. بسبب ما تقدّمه هذه الفصائل من دخل ثابت وأجور أعلى من الأعمال الأخرى. خصوصاً في ظل ارتفاع نسب البطالة حتى تجاوزت 89% في الشمال السوري. مع ارتفاع نِسَب الفقر لتصل لحدود 90%. وقد أثرت هذه الظاهرة على برامج التمكين من حيث فقدان عدد كبير من ذوي الخبرة القادرين على بداية مشاريعهم دون الحاجة للتدريب الطويل.
إن الإنفاق على الفصائل المسلحة وحاجاتها المادية الكبيرة أثّر على إمكانيات المتصارعين والداعمين لهم في تأمين الدعم الاقتصادي والتمويل لبرامج التمكين. خاصةً في ظل حاجة الملايين من السوريين للمساعدات الإغاثية. فعلى سبيل المثال تشير التقديرات لتجاوز الإنفاق الإيراني والروسي في سوريا لأكثر من 60 مليار دولار خلال السنوات التي تجاوزت العشر. أكثر من 50% منها موّلت الفصائل المسلحة بشكل رواتب وأسلحة.. إلخ. ولو خُصصت هذه 30 مليار دولار في برامج التمكين لموّلت 400 ألف مشروع صغير بمبلغ 75 ألف دولار لكل مشروع. وساهمت في توفير أكثر من 3 ملايين فرصة عمل.

ما أثر العمل في الفصائل المسلحة على ثقافة العمل؟

من جهة أخرى لقد أثر العمل في هذه المليشيات على ثقافة العمل. حيث ساهمت أغلب الفصائل المسلحة في إيجاد مصادر دخل غير نظامية لعناصرها من خلال التهريب والإتاوات والسرقة.. إلخ. وهذا ما دفَع بالعديد من المنتسبين من ذوي الخبرة الحِرفية والعملية لترك أعمالهم السابقة والانتساب لهذه الفصائل. بهدف الحصول على الربح السريع. مما أثر على برامج التمكين الاقتصادي. لأن نسبة كبيرة من المتقدمين من عديمي الخبرة العملية بحاجة لعمليات تدريب واستشارات طويلة.
في الواقع كانت الخسائر البشرية من أهم نتائج الصراع المسلح في سوريا. حيث تجاوز عدد القتلى 390 ألف قتيل. وعدد المفقودين تجاوز 300 ألف. وعدد المصابين تجاوز 2.1 مليون مصاب. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من %60 من البيانات السابقة هي للعاملين في الفصائل المسلحة المختلفة. لقد أدَّت هذه الكارثة لزيادة الحاجة للمساعدات الغذائية والمعيشية والطبية ولتمويل كبير. وهذا قد أثّر بشكل كبير على إمكانية دعم برامج التمكين الاقتصادي في مختلف مناطق سوريا.
إلا أنه مع انحسار الصراع وتقاسم المناطق جغرافيا بين قوات النظام وقسد والمعارضة. وبداية تجربة التعافي المبكر وانتشار بوادر تنمية اقتصادية مقبولة في الشمال بعد عام 2019م. بدأت ظاهرة العمل الخارجي في الفصائل المسلحة في ليبيا وأذربيجان تجذب العديد من الشباب من داخل وخارج هذه الفصائل. وذلك بسبب الرواتب الكبيرة التي وصلت لـ2000 دولار شهرياً. وهذا قد ساهم في ترك البعض لأعماله المدنية ومشاريعه والتوجه للسفر. وهذا بدوره قد أثّر على برامج التمكين الاقتصادي من حيث فقدان الشباب المدرَّب في برامج التمكين الاقتصادي.
في النهاية لقد أصبح العمل العسكري مهنةً للعديد من السوريين. ومع انتشار الإتاوات والتهريب في أغلب مناطق سيطرة الفصائل المسلحة والأجور المرتفعة في ظل الفقر والبطالة جذبت العديد من الشباب المؤهَّل والمدرَّب. وبنفس الوقت أثّرت التكلفة العسكرية على إمكانية تمويل برامج التمكين بشكل كبير.
ويبقى حلّ هذه الظاهرة مرتبطاً بالوصول لاتفاق سياسي عادل. بالإضافة إلى إعادة تهيئة وتدريب المنتسبين لهذه الجماعات ودمجهم بسوق العمل وتمويل مشاريعهم عن طريق برامج التمكين. وهذه الحلول المهمة بعض ما ينتظره السوريون.



المنشورات ذات الصلة