الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

ما أثر الواقع الاقتصادي على التراث الاجتماعي السوري؟

img

الإثنين, 28 فبراير, 2022

1

في الحقيقة لقد أثرت الأزمة الراهنة على كافة نواحي الحياة في سوريا. فخلال عشر سنوات من الحرب والدمار بات الواقع الاقتصادي في أسوأ حالاته. وتراجعت كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية. هذا الواقع الاقتصادي الجديد في سوريا أثر على أنواع التراث بشكل أو بأخر وفي مقدمتها التراث الاجتماعي. والسؤال هنا: ما أثر الواقع الاقتصادي على التراث الاجتماعي السوري؟

ما مفهوم التراث الاجتماعي؟

بصفة عامة التراث هو مجموعة كاملة من التقاليد الموروثة والثقافة. وكذلك ما ينبثق عنها من الأنشطة المعاصرة والمضامين والسلوكيات. ويُمثّل التراث بشقّيه الملموس وغير الملموس جزءاً أساسياً من الحاضر المُعاش والمستقبل الذي سيتمّ بناؤه. لأن التراث ينتقل من جيل إلى جيل آخر.

من جهة أخرى يقسم التراث حسب تصنيف اريكسون 1902 إلى التراث الاجتماعي والتراث النشأوي والتراث المادي والتراث الأدبي. ويعرّف التراث الاجتماعي بأنه التراث الممتد مع الحياة في كافة أشكالها. ويعرف بأنه الموروث الثقافي والفكري بأنه ما ورثه الخلف عن السلف.

وفي الوقت نفسه يعد التراث النشأوي مكملاً للتراث الاجتماعي. ويتضمن العادات والتقاليد التي تنتقل بين جيل لآخر . وهو متفاعل بشكل مباشر مع التراث الاجتماعي.

في الواقع من خلال تعريف التراث الاجتماعي نلاحظ شموله لكافة نواحي الحياة وعادات وتقاليد الشعب السوري. وهي مجال كبير جداً سنحاول إيجاز آثار تدهور الاقتصاد السوري خلال فترة الأزمة على العديد من نواحي التراث الاجتماعي.

كيف انعكس الواقع الاقتصادي على التراث الاجتماعي السوري؟

مما لا شك فيه أن الأزمة الراهنة أثرت على الوضع الاقتصادي للمواطن السوري بشكل كبير. بحيث جعلته يغيّر من العديد من أولوياته وعاداته وتقاليده تماشياً مع ارتفاع مستوى الفقر الذي تجاوز 90%. والبطالة التي تجاوزت 50%. وانخفاض مؤشرات التعليم والصحة ومستوى المعيشة بشكل كبير. فأصبح همّ المواطن السوري حالياً تأمين لقمة العيش. كما أثرت حركة اللجوء والنزوح وحياة المخيمات في العديد من العادات والتقاليد الموروثة عبر أجيال.

بالإضافة إلى ذلك فإنه مع ازدياد تفشي الجوع توسعت دائرة مرتكبي جرائم السرقة لتشمل أشخاصاً سقطوا في هوة الفقر. وتعد سوريا من الدول التي يسجل فيها مؤشر الجريمة مستوى عالياً. إذ تسجل 67.42 نقطة (من أصل120) بحسب موقع “Numbeo” المتخصص بمراقبة مستوى المعيشة عالمياً. وفي هذا الخصوص سجلت 40 حالة سرقة ونهب وتزوير في مناطق النظام شهر حزيران عام 2020م.

أما في مجال الثقافة فقد أثرت الأزمة والوضع الاقتصادي في زيادة سرقة التراث الثقافي والآثار. بعضها مِن قِبل عصابات منظّمة. وبعضها الآخر مِن قِبل أشخاص يسعون للحصول على مورد مالي نتيجة الفقر والبطالة. وفي هذا المجال تحاول اليونسكو صون التراث الثقافي السوري من خلال العديد من البرامج. وقد أعلنت الحكومة التركية عن مصادرة أكثر من 25 ألف قطعة أثرية مهرّبة من سوريا حتى عام 2020م.

كيف أثر الواقع الاقتصادي على العديد من العادات والتقاليد الاجتماعية؟

كما أثر الواقع الاقتصادي على العديد من العادات والتقاليد الاجتماعية والتي تنتمي للتراث الاجتماعي السوري. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أثر الواقع الاقتصادي على إمكانية الإنفاق على الأعياد لدى أغلب العائلات السورية. حيث يعتبر الاحتفال بالأعياد من القِيَم الثابتة للحياة الاجتماعية المحلية. فانخفضت او اختفت ظاهرة شراء الحلويات أو صناعتها منزلياً. إضافة إلى شراء ملابس جديدة لكافة أفراد الأسرة. وفي هذا المجال فإن شراء ملابس جديدة متوسطة الجودة لكل طفل تصل لأكثر من 100 ألف ليرة سورية.

في نفس الوقت لقد أثر الواقع الاقتصادي على عادات وتقاليد الزواج الاجتماعية في سوريا. حيث كانت تتصف بالإنفاق على الحُلِي الذهبي والتجهيزات المنزلية وحفل العرس. ولذلك تسعى أغلب العائلات في الوقت الحالي إلى التقليل من هذه المصاريف وإلغاء بعضها.

من جهة أخرى لطالما تميز الشعب السوري بالكرم والاستضافة. وتعد العزائم العائلية من التراث الاجتماعي والعادات المتوارثة وبشكل خاص خلال شهر رمضان. ونتيجة للواقع الاقتصادي الصعب وصعوبة تأمين لقمة العيش انخفضت هذه الظاهرة بشكل كبير خلال الأزمة الراهنة. فتكلفة عزيمة واحدة تزيد عن دخل موظف لشهر كامل.

من جهة أخرى عادةً ما ترافق الأزمات الاقتصادية أزمات أخلاقية في ظل غياب رقابة الدولة وضعفها. حيث يزيد الاستغلال المادي من جهة. زيادةً على فقدان الأخلاق والضوابط الاجتماعية المتوارثة للشعب السوري. حيث أصبح المواطن يستغل المواطن. وعلى سبيل المثال يقوم أصحاب السرافيس ببيع مخصصات المازوت المدعوم بالسوق السوداء دون العمل. ممّا يولد أزمة نقل كبيرة تشلّ الاقتصاد السوري.

في النهاية لقد أثّر الواقع الاقتصادي السيئ في سوريا على التراث الاجتماعي بمختلف أشكاله. حيث تأثر الموروث الثقافي والفكري. علاوةً على العديد من العادات والتقاليد التي كان يتميز بها الشعب السوري. وفي ظل انتشار الفوضى وغياب الرقابة مع استمرار الضائقة المادية من المتوقع أن تزيد هذه الآثار مستقبلًا.




المنشورات ذات الصلة