الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

هل المساعدات الإنسانية تسهم في تعزيز الاتكالية؟

img

الإثنين, 28 فبراير, 2022

1

في الحقيقة تزايدت الكوارث الطبيعة والحروب والأزمات الاقتصادية في السنوات الأخيرة عبر العالم. ونتج عنها مزيداً من الضحايا والمشردين والنازحين واللاجئين.. إلخ. وفي ظل هذه الظروف باتت الحاجة أكبر للمساعدات الإنسانية التي تقدمها دول ومنظمات ومؤسسات عدة. كما برزت العديد من السلبيات المرافقة للمساعدات الإنسانية عبر العالم. ومن أهمها ارتفاع درجة الاتكالية وعدم الرغبة في العمل لدى الكثير من المتضررين. والسؤال هنا: هل المساعدات الإنسانية تسهم في تعزيز الاتكالية؟

ما أهمية المساعدات الإنسانية؟

بصفة عامة تهدف المساعدات الإنسانية إلى إنقاذ الأرواح والحد من المعاناة واحترام الكرامة الإنسانية. من خلال تقديم مجموعة من المساعدات حسب الحاجة أو الكارثة الطبيعية أو البشرية. حيث تساهم الدول الغنية والعديد من المؤسسات والمنظمات بتقديم يد العون للمحتاجين في أماكن عدة حول العالم.

من جهة أخرى فإن المساعدات الإنسانية تشمل كل عمل ضمن الحدود أو عابر للحدود تمارسه المنظمات المحلية والدولية الحكومية وغير الحكومية. بهدف إنقاذ جماعات بشرية تعيش في حالة خطر مؤكد.

في الواقع أشارت تقارير الامم المتحدة لحاجة 11 مليون مواطن سوري لمساعدات إنسانية منتظمة خلال العام 2020. ومن الممكن أن يتزايد الرقم في ظل الانهيار المتعاقب للعملة السورية. وهذا سيتطلب جهداً أكبر ودعماً مالياً أكبر في منطق الشمال السوري والنظام على وجه التحديد.

كما يمكن تصنيف أهم المساعدات الإنسانية التي تقدم للنازحين واللاجئين والمحتاجين السوريين على اختلاف المناطق الجغرافية. فهي تشمل المساعدات الغذائية والسكن والخدمات الصحية والتعليمية ومساعدة الأطفال.. إلخ.

من ناحية أخرى فإن الاتكالية الاقتصادية هي حالة تعني الاعتماد بصورة موسعة على الغير في تأمين الحاجات الاقتصادية الأساسية. بحيث يعاني الشخص المصاب بها. ولا يستطيع أن يعيش معتمداً على ذاته أو مكتفياً بذاته.

وفي الوقت نفسه عادةً ما تحدّد العوامل المسببة للاتكال عند الأشخاص بسببين رئيسيين. الأول سبب شخصي لدى المتكل على المساعدات ولها مجموعة من العوامل المؤثرة مثل الفقر والحرمان وفقدان الأمل.. إلخ. أما السبب الثاني فيتمثل في سياسات الجهات المسؤولة (المنظمات الإغاثية والحكومات ومنظمات المجتمع المدني.. إلخ). التي تساهم في تعزيز الاتكال وتقليل الاعتماد على النفس. من خلال التركيز على المساعدات أكثر من برامج التمكين الاقتصادي.

كيف تؤدي المساعدات الإنسانية إلى تعزيز الاتكالية؟

في الواقع تشير البيانات إلى تنوع الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية في سوريا. فعلى سبيل المثال وصل عدد المنظمات الإغاثية ومنظمات المجتمع المدني إلى 105 في الشمال السوري فقط. وعادة ما تعمل المنظمات على تقديم مساعدات وخدمات متنوعة أساسية لمساعدة المواطنين الذين يواجهون أخطاراً متعددة.

في نفس الوقت تكمن الوظيفة الأساسية للمنظمات في توزيع المساعدات الغذائية وتأمين السكن والرعاية الصحية. بالإضافة إلى التعليم ومساعدة الأطفال.. إلخ. إلا أن ارتفاع معدلات البطالة والفقر ساهم بشكل كبير في تعزيز الاتكالية لدى العديد من المواطنين. بالإضافة إلى انخفاض مستوى الأجور وتدني مستوى المعيشة في أغلب المناطق السورية.

كما أدى ارتفاع نسبة البطالة (بلغت 90%) في الشمال السوري وصعوبة الحصول على عمل إلى فقدان الأمل لدى كثير من السوريين. ومِن ثَم زاد اتكالهم بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية المقدَّمة من المنظمات المانحة.

بالإضافة إلى ذلك دفع انخفاض مستوى الأجور وزيادة عدد ساعات العمل وعدم انتظامه إلى ردة فعل عكسية لدى العديد من المواطنين. فسادت مقولة عابرة (لماذا نعمل إذا كان الأجر لا يكفينا ونستطيع الحصول على المساعدات مجاناً؟). ودفع ذلك الكثيرين إلى الاتكال على المساعدات فقط دون البحث عن أي فرصة عمل.

كما ساهمت سياسات المنظمات الإغاثية التي تركّز على المساعدات الإنسانية بشكل أكبر من برامج التمكين الاقتصادي في تحفيز اتكالية الكثيرين عليها. ولو اعتمدت سياسات تفعيل برامج التمكين وتأمين التمويل والتدريب اللازم منذ عدة سنوات لكانت النتائج في يومنا الحالي مختلفة تماماً.

من هنا تعد تجربة مؤسسة التضامن السويسري مثالاً يحتذى بها. حيث قامت بتمويل 29 مشروعاً أنجزتها في كل من الهند وإندونيسيا وسيرلانكا بعد كارثة تسونامي. وتمثلت النتائج في أن 90% من المستفيدين أصبحوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية. في حين زادت الاتكالية وارتفعت نسب البطالة في السنتين الأوليين بعد تسونامي في المناطق التي وُزعت بها مساعدات إنسانية بشكل مفرط. ونتج عن ذلك تقاعس في إعادة زراعة الأراضي في بعض مناطق الهند وسيرلانكا.

كيف يُنظر لتجارب العديد من المنظمات الإغاثية في الشمال السوري؟

في الحقيقة يمكن النظر بإيجابية لتجارب العديد من المنظمات الإغاثية في الشمال السوري. وفي هذا المجال مازالت الاهتمام بالمساعدات الإنسانية يفوق دعم برامج التمكين. فعلى سبيل المثال قدمت منظمة الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية دعماً لـ200 مشروع تمكين اقتصادي. وفي المقابل وزعت عشرات الآلاف من السلال الغذائية في عدة مخيمات.

ولذلك تؤكد العديد من دراسات الأمم المتحدة على أن توزيع المساعدات الإنسانية تساهم في حل مشاكل إنسانية. ولكنها لا تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية. في حين أن لبرامج التمكين الاقتصادي دوراً مهماً في تقليل اتكالية الأفراد وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستقبلية.

في النهاية تساهم المساعدات الإنسانية في تعزيز الاتكالية لدى العديد من الأشخاص. وللتقليل من هذه الاتكالية لا بد من العمل على توعية المواطنين ومعالجة الأسباب الشخصية من جهة. بالإضافة إلى التنسيق بين الجهات المسؤولة الحكومية والمنظمات في وضع سياسات تعتمد زيادة برامج التمكين الاقتصادي. بهدف مساعدة الأفراد للاعتماد على بناء الذات وتأمين فرص عمل دائمة تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.




المنشورات ذات الصلة