الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

كيف أثرت الحرب على ثقافة العمل في سوريا؟

img

السبت, 26 فبراير, 2022

3

يعتبر العمل أحد أهم مقومات الحياة. والعامل الأهم في بناء المجتمع بشكله السليم. وحتى يحقق العمل الهدف المراد منه في بناء المجتمع يجب أن يُحاط العامل بثقافة واسعة تتعلق بطبيعة عمله. حتى يصبح بمقدوره معرفة حقوقه وواجباته. لقد أثرت الحرب السورية على كافة مناحي الحياة ومنها العمل وثقافته. والسؤال المهم هنا: كيف أثرت الحرب على ثقافة العمل في سوريا؟

ما أهمية ثقافة العمل؟

بصفة عامة عادةً ما تركّز الدول المتقدمة على حقوق العامل. من خلال نشر ثقافة العمل التي تهدف لمعرفة العامل بكامل حقوقه وواجباته. لكي لا يكون عُرضة للابتزاز والاستغلال مِن قِبل رب العمل. لا سيما تلك الحقوق المتعلقة بساعات العمل والإجازة والإنتاجية والتقاعد والتأمين الصحي والاجتماعي.. إلخ.

من ناحية أخرى فإن عدم نشر ثقافة العمل وضبطها ضمن قوانين وتشريعات سوف يؤثر على أمان وإنتاجية العاملين. مما يؤثر بشكل سلبي على معظم النواحي الاقتصادية.

في الواقع تعرّف ثقافة العمل بأنها التعرّف على العمل من جميع الجوانب من شروط ومتطلبات. والمعرفة بجميع الحقوق المادية من رواتب ومكافآت وحقوقه المعنوية من توفير الصحة والسلامة المهنية. وتوفير بيئة آمنة والحصول على التحفيزات.. إلخ. كما تتأثر ثقافة العمل في بلدٍ ما بالحالة الأمنية والسِّلم. فتؤدي لظهور أنواع جديدة من المِهَن غير القانونية وغياب أنواع سابقة. إضافة إلى حدوث تغيرات جوهرية في مضمون العمل وتنفيذه.

بالإضافة إلى ذلك لا تتوقف ثقافة العمل على طبيعة تصنيف المهن في المجتمع. بل إنها تتعدى ذلك إلى سلوكيات المواطنين في مهنهم وأعمالهم المختلفة. وهنا يجب التركيز على عدم الشعور بالخجل من أي عمل. وفي هذا المجال يلتزم العاملون في بعض المجتمعات بتنفيذ أعمالهم بأفضل شكل. ومع ذلك نلاحظ انتشار ظواهر سلبية عدة في العديد من المجتمعات مثل التسيب واللامبالاة والكذب والغش .. إلخ.

ما أثر الحرب على ثقافة العمل في سوريا؟

في الواقع لم تنتشر ثقافة العمل في سوريا بالشكل المرغوب قبل الحرب الحالية. فعلى الرغم من دفع القطاع الخاص لأجور أعلى من القطاع العام. إلا أن تسريح العاملين وعدم تأمينهم كان يتم بسهولة. ولم يكن لنقابات العمال دور يُذكر. في حين يتمتع العامل بالقطاع العام باستقرار ووضوح لحقوقه وواجباته. ولكن بدخل أقل من القطاع الخاص مع غياب للتحفيز ووجود تمييز في منح المكافآت والحوافز.

في الحقيقة لقد تجاوز عدد اللاجئين والنازحين السوريين 13مليوناً خلال سنوات الحرب التي تجاوزت العشر. وتشير بيانات منظمة العمل إلى أنه قد فُقِدَت أكثر من 900 ألف وظيفة بسوريا خلال سنوات الحرب. وارتفعت معدلات البطالة لتتجاوز 50%. والفقر لأكثر من 90%. كافة العوامل السابقة قد أثّرت بشكل مباشر على طبيعة وثقافة العمل في سوريا بشكل كبير.

وفي الوقت نفسه نتج عن الحرب السورية ظاهرة عمالة الأطفال غير القانونية. وباتت هذه الظاهرة خطيرة تهدّد مستقبل وحياة آلاف الأطفال. وعلى الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة لعمالة الأطفال في سوريا إلا أن عدة تقديرات تشير إلى نسبة تتراوح بين 20-30% يتم استغلالهم بأعمال مختلفة. لا يملكون أيّ حقوق ولا يعرفون أي شيء عن ثقافة العمل.

كيف أثرت الحرب على الالتزام بالقيم السورية الأصيلة؟

علاوة على ذلك أثّرت الحرب على قِيَم العديد من المواطنين الذين يسعون لتحقيق الثروات بسرعة كبيرة. مستغلين الوضع الأمني السيئ خلال سنوات الأزمة. وانتشرت ظاهرة العمل غير المشروع بعدة مجالات. منها التهريب والخطف والسلب والاحتيال.. إلخ. زيادة على ذلك تم تنظيم هذه الأعمال عبر مجموعات في معظم المناطق السورية. وحقّق العديد من منفّذيها ثروات طائلة حيث ظهرت أسماء أغنياء ورجال أعمال لم يعلم بهم الشارع السوري من قبل.

من جهة أخرى انتشرت ظاهرة التسيب واللامبالاة والرشوة بشكل خاص لدى العاملين في القطاع العام. بسبب انخفاض مستوى دخلهم فسعوا لزيادتها خلال سنوات الحرب. لذلك انقسم العاملون في القطاع العام إلى قسمين. مستفيد من عمله عن طريق الرشوة والفساد من جهة. ولامبالي ومتسيب من جهة أخرى. وهذه الظاهرة هي الأسوأ على العمل الحكومي ومن الصعب التخلص من هذه الظواهر مستقبلاً.

بالإضافة إلى ذلك لُوحِظ وجود تدنٍّ كبير لأخلاقيات العمل الحرّ والمهني وانتشار ظاهرة الغش والكذب بسبب انتشار الفوضى وعدم الرقابة. والتي أدّت إلى تدنٍّ كبير في أخلاقيات العمل. وقد ساعد ذلك على الاحتكار ورفع الأسعار بطريقة مخيفة من جهة. بالإضافة إلى انتشار الغش بعمليات البيع والنصب والاحتيال في العديد من المهن. حيث أصبحت صفة الاستغلال هي البارزة في المجتمع.

لقد أثرت الحرب على عامل الأمان الوظيفي وحقوق العاملين. وباتت أغلب الأعمال تُنفّذ بدون عقود. ويتم التسريح بناء على رغبة صاحب العمل رغم دفع أجور منخفضة والعمل لعدد ساعات أكبر. وقد ترافق ذلك مع حملات تسريح للعديد من العاملين في القطاع العام بناء على خلفيات سياسية غير قانونية.

ما الظواهر الإيجابية على ثقافة العمل في سوريا بعد الحرب؟

على الرغم من السلبيات الكبيرة للحرب على ثقافة العمل إلا أنه يوجد بعض الظواهر الإيجابية. مثل توسع مفهوم العمل التطوعي لدى الشباب في سوريا في السنوات الأخيرة. خصوصاً أنه أخذ أشكالاً متعددة تنوعت بين العمل الخيري والإغاثي والتنموي. بالإضافة إلى انتشار ظاهرة العمل عن بُعْد مع العديد من الجهات الخارجية عبر الإنترنت. ووجود مشاركة مبدئية جيدة للمرأة في العديد من المجالات الاقتصادية.

في النهاية يُعد العمل وثقافته العامل الأهم في بناء مستقبل سوريا. وتُعد عملية إعادة بناء الإنسان أول وأهم مرحلة في إعمار سوريا. وتتضمن تثقيفه من كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.. إلخ. فبدون ضمان الحقوق وبيان الواجبات والتخلّص من سلبيات الحرب على العمالة في سوريا لن يتم تحقيق التنمية المستدامة بشكلها الصحيح.




المنشورات ذات الصلة