الخميس 23 رجب 1446هـ - 23 يناير، 2025

ما أثر التمكين الاقتصادي على الاقتصاد الكلي السوري؟

img

الجمعة, 25 فبراير, 2022

2

حالياً تسعى العديد من دول العالم لتعزيز برامج التمكين الاقتصادي. بعد النتائج المبهرة التي حققتها بعض الدول في انتهاجها سياسات التمكين الاقتصادي للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لكل من الجنسين. والسؤال المهم هنا: ما أثر التمكين الاقتصادي على الاقتصاد الكلي السوري؟

ما جدوى برامج التمكين الاقتصادي للاقتصاد؟

في الواقع لا تعد برامج التمكين الاقتصادي جديدة في سوريا. إلا أنها قبل الأزمة الراهنة لم تكن إلا عبارة عن محاولات لم يُكتب لها النجاح والأثر الاقتصادي. مثل برامج تمكين المرأة الريفية للأمانة السورية للتنمية وبرامج تمويل المشاريع الصغيرة.

مع استمرار الأزمة السورية بدأت برامج التمكين الاقتصادي تنشط في الشمال السوري. حيث قدّمت العديد من الهيئات الدعم المادي لعدد من المشاريع الصغيرة. مثل برنامج صلتك وصندوق الحياة وشفق ومؤسسة الملك سلمان.. إلخ. إلا أن نتائج هذه البرامج مازالت محدودة على الصعيد الاقتصادي في الشمال السوري.

في الحقيقة تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن المشروعات الصغيرة تشكل أكثر من 85% من إجمالي المشروعات في العالم. ولها دور رئيسي في التنمية الاقتصادية من خلال الحد من الفقر والبطالة وتنمية الصادرات والتقليل من الواردات. وبالتالي تقليل العجز في الميزان التجاري.

من جهة أخرى تُعد التجربة الهندية مثالاً يحتذى به. فعن طريق برامج التمكين الاقتصادي تم خلق 17 مليون فرصة عمل في مجال الصناعة فقط. ساهمت في الحد من الفقر وتقليل نسب البطالة. كما ساهمت في تعزيز الصادرات مثل صادرات المشروعات الصغيرة في مومباي من الأدوات المنزلية المعدنية (ستالستيل). كما تضع الهند ضمن أهداف رؤيتها المستقبلية لعام 2030 إيصال 75% من المواطنين بها ليصبحوا من الطبقة الوسطى. وذلك عن طريق الاعتماد على برامج التمكين الاقتصادي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ما أثر التمكين الاقتصادي على الاقتصاد الكلي السوري؟

في الواقع تمكنت برامج التمكين الاقتصادي من تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية الكلية والجزئية. من أهمها الحد من الفقر والحد من البطالة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي. علاوةً على زيادة الصادرات والتقليل من الواردات وتأمين المواد الأولية للصناعات المحلية. بالإضافة إلى تأمين إيرادات مستقبلية. وبالتالي الحد من العجز وتقليل الدَّين الخارجي.. إلخ.

في الحقيقة لعبت برامج التمكين الاقتصادي دوراً مقبولاً في خلق فرص عمل في الشمال السوري مع وصول نسب البطالة إلى 90%. ومن الأمثلة المهمة تجربة صندوق الحياة الكويتي الذي ساعد في 201 مشروع لتمكين العائلات في الشمال السوري. وتجاوز عدد المستفيدين من المشاريع المنجزة أكثر من 7710 أشخاص. كما أن برنامج صلتك استفاد منه 253930 سورياً في مجالات عدة.

وعلى الرغم من تعدد الجهات الممولة إلا أن النتائج ما تزال محدودة. وفي الوقت نفسه لو تم تأمين تمويل 200 مليون دولار سنوياً من أموال المانحين لدعم برامج التمكين الاقتصادي في الشمال السوري. بواقع 20000 دولار لكل مشروع نموذجي يؤمّن 8 فرص عمل حقيقية على الأقل. لكانت عدد المشاريع الممكّنة 10000 كل منها يخلق 8 فرص عمل بحصيلة إجمالية تصل لـ 80000 فرصة عمل. أي كان من الممكن تأمين دخل جيد لحوال 30-50 ألف عائلة سنوياً. وهذه التجربة سوف يكون لها آثار اقتصادية كلية إيجابية لو امتدت لخمس سنوات على الأقل.

بالإضافة إلى ذلك فإن من المعلوم وجود أثر لبرامج التمكين الاقتصادي على زيادة الناتج المحلي الإجمالي. وذلك من خلال زيادة القيمة الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة. والحد من خسائر الناتج المحلي الإجمالي السوري البالغة 379 مليار دولار خلال عشر سنوات من إجمالي خسائر اقتصادية قُدرت بـ530 مليار دولار. وهذا أكبر دليل على أهمية برامج التمكين الاقتصادي للمشاريع الصغيرة والمتناهية التي تسهم بحدود 85% من حجم الاقتصاد.

كيف تتحقق الفائدة المرجوة من عملية التمكين الاقتصادي؟

من جهة أخرى من المؤكد أن برامج التمكين الاقتصادي قد ساهمت في الحد من الفقر الذي تجاوزت نسبته 90% لدرجة محدودة في سوريا. وذلك من خلال توفير فرص عمل مختلفة وتدريب كوادر مختلفة حصلت على فرص عمل لاحقاً. وهنا لا بد من التركيز على تأمين التمويل اللازمة لبرامج التمكين الاقتصادي التي ستساهم في الحد من الفقر واعتماد المواطنين على أنفسهم وليس على الإعانات من قبل الجهات المانحة.

وفي الوقت نفسه ستساهم برامج التمكين الاقتصادي في توفير المواد وتأمين حاجات السوق المحلية بسعر أقل من المواد المستوردة مثل صناعة الحليب ومشتقاته أو صناعة الجلديات والملابس في الشمال. وهذا بدوره سيقلل من الواردات من الأسواق الخارجية ويزيد من الصادرات لها كما سيساعد في الحصول على القطع الأجنبي. وبالتالي سيؤثر إيجاباً على المؤشرات الاقتصادية الكلية. وفي هذا المجال ساعدت التسهيلات التركية من نمو الصادرات في الشمال السوري. حيث بلغت عدد الشاحنات التي تمر عبر معبر باب الهوى باتجاه تركيا 70 شاحنة يومياً في منتصف عام 2019.

في نفس الوقت حتى تتحقق الفائدة المرجوة من عملية التمكين الاقتصادي لا بد أن تنظّم من خلال وضع أهداف واضحة لها. وتأمين التمويل المناسب لأغلب المشاريع في الشمال السوري. حيث لم يستفد أكثر من 5% من أصحاب المشروعات من كافة برامج التمكين المختلفة في الداخل السوري من تمويل وتدريب.

في النهاية لقد أُنفقت عشرات مليارات الدولارات على الحرب السورية مِن قِبَل داعميها المختلفين في مختلف المجالات. ولو خصّص 10% من هذا الدعم لبرامج التمكين الاقتصادي لكنّا نحصد النتائج حالياً. ويبقى التمكين الاقتصادي على الرغم من محدودية آثاره الحالية خياراً رئيسياً في عملية التنمية الاقتصادية المستقبلية. كما أنه مؤثّر مهمّ في المؤشرات الاقتصادية الكلية لسوريا التي يجب التركيز عليها واعتمادها. والعمل على تأمين التمويل المناسب لبرامج التمكين الاقتصادي والحد من الصعوبات التي تواجهها.




المنشورات ذات الصلة